منتديات العرب والعروبة
موضوع بعنوان :حصول الرزق والأسباب الشرعية
الكاتب :jana
الأرزاق بيد الله عز وجل يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، فمن شؤم المعاصي حرمان الرزق، فالرزق يقدر عن الإنسان ويضيق عليه؛ بسبب المعصية، فإذا استهان الإنسان بأعظم حق من حقوق الله تبارك وتعالى -وهو الصلاة- فأي ذنب أعظم من ذلك؟! فلا شك أن ترك الصلاة سبب لمحق البركة من الرزق، وليس الاشتغال باللهو والتجارة عن الصلاة هو الذي سيجلب لك المال ويجلب لك الرزق. كان عروة بن الزبير رضي الله عنه إذا دخل على أهل الدنيا فرأى من دنياهم طرفاً، رجع إلى أهله فدخل الدار وقرأ قوله تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:131-132]، ثم يقول: الصلاة الصلاة رحمكم الله. فانظر إلى هذا الفقه منه لهذه الآية: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى). قوله: (زهرة) يعني: سريعة الذبول. قوله: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي: لنختبرهم فيه. قوله: (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) أي: ما عند الله من الثواب، خير وأبقى. وقوله تعالى: (( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ))[طه:132] أي: اصبر على ذلك. وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا َنحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132]. وقوله تعالى هنا بعدما أمر بالصلاة: لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ [طه:132] فيه دفع لما عسى أن يخطر ببال أحد من أن المداومة على الصلاة ربما تضر بأمر المعاش، فقد يوسوس الشيطان لبعض الناس بهذه الفكرة، وأن الصلاة ستعطله عن طلب الرزق وعن المعاش، فكأنه قال: داوموا على الصلاة غير مشتغلين بأمر المعاش عنها، إذ لا نكلفكم رزق أنفسكم فنحن نرزقكم، فلا تقلقوا على الرزق، ولا تتركوا الصلاة ولا تؤجلوها اشتغالاً بالرزق، فلا تظن أن الاشتغال بالصلاة ينقص رزقك؛ لأن الرزق ليس عليك أنت، فالرزاق هو الله سبحانه وتعالى. وتقديم المسند إليه للاختصاص أو لإفادة التقوى: لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ [طه:132]، ولم يقل: نرزقك نحن، وإنما قال: نَحْنُ نَرْزُقُكَ [طه:132]، للدلالة على الاختصاص. وقد قال الله سبحانه وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ [الذاريات:56-57]، فالله سبحانه وتعالى غني عن العالمين، لا يطلب منك العبادة لأنه محتاج إليها، فالله عز وجل هو الغني القوي المتين، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]. ويستفاد من الآية الكريمة: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132] أن الصلاة سبب لإدرار الرزق، وسبب لكشف الهم. يروى عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم الصلاة، وتلا: (( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ ))[طه:132]). وأخرج الإمام أحمد في الزهد وغيره عن ثابت قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابت أهله خصاصة - حاجة أو شدة - نادى أهله بالصلاة: صلوا صلوا، قال ثابت : وكان الأنبياء عليهم السلام إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة).
ضمان الله سبحانه لعباده الرزق حتى الممات
عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة كلهم ضامن على الله، إن عاش رزق وكفي، وإن مات أدخله الله الجنة).
قوله: (ثلاثة كلهم) أي: كل واحد منهم ضامن على الله، وضامن هنا بمعنى مضمون، مثل قوله: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [الحاقة:21] فصيغتها صيغة الفعل، لكن معناها: في عيشة مرضية.
أو أنه ذو ضمان، والضمان الرعاية للشيء كما يقال: تامر ذو تمر، أو لابن ذو لبن، أي: صاحب تمر ولبن، ومعنى ضامن على الله: أنه في رعاية الله، وما أجزل هذه العطية؟! وعدي بعلى: (كلهم ضامن على الله) لأن الضمان هنا ضمن معنى الوجود والمحافظة على سبيل الوعد؛ ولأن هذا عهد على الله أخذه على نفسه، أنه يرعى هؤلاء الثلاثة ويحفظهم من مضار الدين والدنيا.
قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة كلهم ضامن على الله، إن عاش رزق وكفي، وإن مات أدخله الله الجنة: من دخل بيته فسلم فهو ضامن على الله - يعني: الإنسان إذا دخل بيته يسلم على أهله، تكون بركة عليه وعليهم- ومن خرج إلى المسجد فهو ضامن على الله، -يعني: خرج لصلاة الجماعة- ومن خرج في سبيل الله فهو ضامن على الله).
طلب الرزق وسيلة لا غاية
لقد بين جل وعلا أن المال خادم وأن الدين مخدوم، وهذا معنى في غاية الأهمية؛ لأن الرزق والمعاش يكون بالمال، فلا بد أن نعرف مراتب الأعمال: من السيد ومن الخادم؟ من الخادم ومن المخدوم؟ فهل المال خادم أم مخدوم؟ أو بتعبير آخر: هل المال وسيلة أم غاية؟ هل يراد المال لذاته أم يراد لغيره؟ لا شك أنه يراد لغيره، فالمال خادم والدين هو المخدوم، فالمال هو الذي يخدم العبادة، فلا يضحى بالعبادة من أجل المال.
إذاً: من يقول: إن العمل عبادة ويضيع الصلاة فإنه يخدع نفسه، فهنا صير الخادم مخدوماً، فبدل ما كان الدين هو المخدوم صار هو الخادم للدنيا وللمال، مثل الذي يريد أن ينظف أسفل نعله، فيمسحه في خده، فالخد عضو شريف، والنعل خادم لهذا الجسم، فأنت لما تحول الخادم إلى مخدوم والمخدوم إلى خادم قلبت الأمور.
وهذا مما يوضح لنا إبطال هذا المعنى، وهو الذي يتذرع به بعض الناس حين يضيعون الصلاة ويقولون: العمل عبادة.
يوجد حديث صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه: (إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم واد من ذهب لأحب أن يكون له ثان، ولو كان له واديان لأحب أن يكون له ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب) يعني: أن الإنسان سيظل ملازماً وحريصاً على المال والازدياد من المال والطمع في الدنيا إلى أن يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره.
ومعنى قوله عز وجل: (إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة) أي: أن المال إنما أنزل ليستعان به على إقامة حقوق الله تعالى، لا للتلذذ والتمتع به كما تأكل الأنعام، فالأنعام تعيش لتتلذذ وتتمتع بالطعام ونحو ذلك، أما بالنسبة للإنسان فإنما أنزل له المال ليستعين به على أداء حقوق الله تبارك وتعالى، فإذا خرج المال عن هذا المقصود فات الغرض والحكمة التي أنزل لأجلها، وكان التراب أولى به، فرجع المال والجوف الذي امتلأ بمحبته وجمعه إلى التراب الذي هو أصله، فلم ينتفع به صاحبه، ولا انتفع به الجوف الذي امتلأ به.
حتمية حصول الرزق والأسباب الشرعية للحصول عليه
لقد ضمن الله تبارك وتعالى لعباده أرزاقهم فقال سبحانه وتعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت، لأدركه رزقه كما يدركه الموت) يعني: أن الإنسان يرزق رغم أنفه؛ لأن الرزق مكتوب لك حتى ولو قلت: أنا لا أريده وفررت منه، فسوف يجري خلفك إلى أن يلحقك حتماً إذا كان الله قد كتبه لك.
وقال صلى الله عليه وسلم: (الرزق أشد طلباً للعبد من أجله) الإنسان إذا طلبه ملك الموت وحضره أجله هل يستطيع أن يهرب منه؟ حتماً لا بد أن يموت في الأجل الذي كتبه الله، فكذلك الرزق مكتوب، وسوف ينالك ما كتب لك من هذا الرزق.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي -هذا إلهام وهو نوع من أنواع الوحي- : أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) وهذا حديث صحيح.
قوله: (إن روح القدس نفث في روعي) أي: جبريل عليه السلام.
قوله: (أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) يعني: اطلبوا الرزق لكن بنوع من الحكمة.
قوله: (ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته).
يعني: ما دام أن الرزق عند الله، فالوسيلة التي يطلب بها الرزق هي طاعة الله، وليس عن طريق معصية الله تبارك وتعالى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت همه الآخرة جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت همه الدنيا فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له) فرزق الله لا يجلبه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره.
فمن كانت همه الآخرة يكافأ على ذلك بأن يجمع الله له شمله، ويجعل غناه في قلبه، وهذه أعلى درجات الغنى غنى النفس، وتأتيه الدنيا راغمة.
إذاً: يرزق العبد رغم أنفه؛ لأن رزق الله لا يجلبه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره؛ ولأنه سبق به قلم القضاء: (رفعت الأقلام وجفت الصحف).
حال من اشتغل بالدنيا عن الصلاة المفروضة
إن من اشتغل بالدنيا عن الصلاة المفروضة فهو داخل فيمن آثر الدنيا على الآخر، يقول عز وجل: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:16-17].
وقال تعالى: إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا [الإنسان:27].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت يديك شغلاً ولم أسد فقرك)، فبعض الناس ينهمكون في خدمة الدنيا على حساب الدين، وعلى حساب إقامة الصلاة، فإذا ما نصحوا وذكروا بأن الرزق مضمون، وأن عليهم أن يجملوا في طلب الدنيا، انطلق الواحد منهم محتجاً بأن ضمان الرزق لا يعني ترك الأسباب، فتقول له: الرزق مضمون ولن يفوتك شيء من الرزق، قدم حق الله على غيره، قدم الآخرة على الأولى، فينطلق كالصاروخ قائلاً: أليس كل شيء بالأسباب؟! وإن ضيعت الأسباب سيضيع مني الرزق! فيجادل ويقول لك: ضمان الرزق لا يعني ترك الأسباب، وعندما تأتي وتذكره بالأوامر والنواهي والأمور الشرعية يقول لك: ربنا كريم، ربنا غفور رحيم، وبعضهم يقول لك: إن النبي صلى الله عليه وسلم سيشفع لنا، ونحن نقول: لا إله إلا الله، ويتعلق بهذه النصوص.
فهل نقول: إن ربنا كريم في الآخرة وفي الدنيا، فاترك السعي وراء الرزق، وربنا كريم سيرزقك وأنت جالس؟! هذا غير صحيح، صحيح أن كل شيء يأتي بالأسباب، وكذلك الجنة لا تأتي إلا بالأسباب، يقول عليه الصلاة والسلام: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة)، فالجنة نفيسة جداً، فهل تريد أن تنالها بالأماني والأوهام والأحلام؟! لماذا لا تأتي بالأسباب التي توصلك إلى الجنة؟! قال بعض الصالحين: اجتهادك فيما ضمن لك، وتقصيرك فيما طلب منك، دليل على انطماس البصيرة.
إذاً: هذا أحد الأدلة على أن البصيرة غائبة منطمسة؛ لأن الله سبحانه ضمن للإنسان الرزق، لكن هل الجنة مضمونة؟ الرزق كتبه الله سبحانه وتعالى كما هو معلوم في الآيات: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ [الأنعام:151] لكن الجنة قال عنها عز وجل: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى [النجم:39-41]، وقال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].
إذاً: اطلب الرزق لكن بحكمة، ولا تضيع الصلاة من أجل الرزق، أما الجنة فأهم أسباب دخولها المحافظة على الصلاة.
قال الله سبحانه وتعالى:وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
فمن اتقى الله بتقديم حقه في أداء الصلاة على ما عداه عوضه عما فاته من الدنيا، ورزقه من حيث لا يحتسب.
وقال سبحانه تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ [الأعراف:96].
وقال عز وجل: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن:16].
وقد روي في بعض الآثار: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) فمن شؤم تضييع الصلاة نقصان الرزق ومحق البركة، ومن عجيب أمر بعض الناس أنك إذا دعوتهم لترك شواغلهم لإجابة الداعي إلى الصلاة تعرف في وجوههم المنكر، كيف يتركون العمل لأجل الصلاة مع أن العمل عبادة؟! وهذه العبارة شاعت وذاعت، وشب عليها الصغير، وهرم عليها الكبير، مع أنها ليست آية قرآنية ولا حديثاً نبوياً، بل هي بهذا السياق عبارة منكرة؛ لأن صاحبها إذا أمر بالصلاة في وقتها يعارض بهذه المقولة المنكرة، ومفهوم هذه المقولة إن الصلاة ليست عبادة، وأصبحت عبادة الدنيا هي العبادة! إن العمل الذي يلهيك عن فريضة الله عبادة، لكن عبادة للشيطان وللدنيا؛ بدليل الحديث: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار).
.
إلى آخر الحديث.
وهذا المسلك من أربابه الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا، ومن المغالطات العلمانية التي يطلقها من لا يرجون لله وقاراً، ولو كان يجوز لأحد أن يترك الصلاة لانشغاله بما عداها، لكان أولى الناس بذلك المجاهد الذي يكافح العدو ويلتحم معه في الجهاد، ومع ذلك لم يعذر المجاهد بترك الصلاة حتى صلاة الجماعة، ففي الجهاد لم يعذر المجاهد في ترك الصلاة، وشرع الله سبحانه وتعالى له صلاة الخوف، كذلك المريض الذي أنهكه المرض كان أولى أنه يجوز له أن ينشغل بالمرض عن الصلاة، لكن مع ذلك لم يعذر لمرضه مهما اشتد به المرض، ما دام عاقلاً ومستطيعاً، فالمريض الذي أنهكه المرض تبقى الصلاة فريضة عينية في حقه، ويصلي على حسب استطاعته، فلا يتصور في الوجود أن يكون هناك مسلم لا يصلي، إلا امرأة حائضاً أو نفساء، فهما اللتان يعذران في ترك الصلاة، بل لا تصح منهما الصلاة.
فى امان الله