رافقونا في جولتنا السياحية الى عاصمة بني زيان
تلمسان جوهرة المغرب العربي
"ضريح سيدي بومدين"
تلمســـــان مدينة ضاربة في جذور التاريخ والحضارة ، تزخر بآثار كثيرة تركتها الحضارت التي تعاقبت على المدينة العريقة.
سكانها الأصليون من البربر لكن مع احتلال الرومان لها، في القرن الثالث الميلادي، جعلوا منها ثغرا محصنا لحماية حدودهم ثم فتحها العرب المسلمون على يد أبي المهاجر دينار حوالي عام 55هـ وأقام بها القائد عقبة بن نافع لفترة قصيرة بعد فتحه لمدينة تيهرت عام 62هـ
وهذا ما جعلها تتبوأ المقام الرفيع في تاريخ الفن المعماري الاسلامي
حتى سميت بغرناطة شمال افريقيا.
اضغط هنا لعرض الصورة بحجمها الطبيعي |
أصل التسمية
يختلف المؤرخون حول أصل ومعنى كلمة تلمسان، فيرى البعض أنها تتألف من كلمتين بربريتين هما "تلم" ومعناها تجمع، و"سان" ومعناها اثنان؛ أي تجمع اثنان: البر والبحر، أو الشمال والصحراء، أو الجبل والسهل. بينما يرى آخرون أن الكلمة عربية مركبة ويقصد بها تجمع الإنسان. وقال الفريق الثالث آن الكلمة بربرية محرفة وردت بصيغة الجمع (مفردها تلماس) وتعني جيب ماء أو ينبوع ، وهذا المعنى مطابق للواقع.
الموقع
تقع ولاية تلمسان شمال غرب الجزائر، يحدها شمالا البحر المتوسط وجنوبا ولاية النعامة وشرقا ولايتي عين تموشنت وسيدي بلعباس، وغربا المغرب الأقصى، وهي منطقة تاريخية وسياحية، كانت تعرف ببوماريا في العهد الروماني واتخذها الزيانيون عاصمة لهم
تربعت تلمسان صدارة تاريخ المغرب الأوسط أكثر من ثلاثة قرون، ازدهر خلالها الفكر وأخصبت الحضارة، وتطور العمران وانتعش الاقتصاد والتجارة؛ فاستهوت العديد من رجالات الفكر والدين والسياسة، وجلبت الرحالة والجغرافيين والمهاجرين، فأكسبها ذلك ألقاب "مدينة التاريخ والثقافة والفن" و " لؤلؤة المغرب العربي".
تلمسان.. آثار نفيسة وحضارة تثير الفضول
مدينة متوسطية بروح أندلسية، تجدها حاضرة بغاباتها وينابيعها، شامخة بمحاسنها ومفاتنها التي وهبها البارئ، محتفظة دومًا بحيويتها ونشاطها وتوهجها عبر القرون والدهور، فلم تقهرها كثير من الكوارث والأهوال التي طمست غالبية المدن المجاورة لها بتأثير الدمار والحروب. إنها «تلمسان» درة المدن الجزائرية ولؤلؤة المغرب العربي، التي تزهو بكثرة ما فيها من مبانٍ فنية رائعة خالدة، وبماض فكري وثقافي وسياسي تليد، مزجت- بطبيعتها السخية الحسناء وجهود الإنسان المبدع- الفن بالتاريخ، فتفوقت في شتى الميادين حتى صارت «غرناطة» إفريقيا، محط اهتمام المؤرخين والكتاب المغاربة والأجانب، للانغماس في أعماقها بحثا عن روحها الدفينة وهويتها الحقيقية.
الحضارة تتكلم
âچ عندما تزور تلمسان للمرة الأولى لا يمكنك إلا أن تصاب بما يمكن وصفه بالإبهار، فعاصمة الزيانيين تملك كل ما يمكنها ان تبهر وتشد عقلك وقلبك حتى ولو كنت قد زرت قبلها أشهر العواصم العالمية، وحينما تغادر هذه المدينة الاستثنائية إثر زيارتك الأولى لها تدور في خلدك عدة أفكار وتتملكك رغبة واحدة ملخصها أنك ترغب في العودة لزيارتها للمرة الثانية والثالثة والألف.
رحلة سياحية الى ضريح سيدي بومدين
السيرة الذاتية للشيخ الجليل سيدي بومدين
بأعالي هضبة العُباد بأعالي تلمسان يرقد الولي الصالح أبو مدين شعيب الاشبيلي المعروف عند أهل. تلمسان بسيدي بومدين
يحجون اليه بالآلاف من داخل وخارج المدينة، هذا الولي الصالح يعتبره مؤرخو الصوفية الرجل الثاني بعد سلطان الأولياء "سيدي عبد القادر الجيلاني"رضي الله عنهما.
* ولد سيدي بومدين بإشبيلية سنة 1126 م تعلم القرآن صغيرا وطاف بفاس وبجاية وجالس كبار شيوخها، وفي العشرين من عمره زار البقاع المقدسة وفيها التقى بسيدي عبد القادر الجيلاني الذي لقنه أصول الدين والتصوف.
وفي القاهرة التقى صلاح الدين الأيوبي وشارك معه في معركة حطين التاريخية جنبا الى جنب لتحرير بيت المقدس من أيدي الصليبين وتروي روايات كثيرة أنه فقد احدى دراعيه المدفونة عند حائط البراق واعترافا له لهذا الجهاد أمر صلاح الدين بإقامة وقف له ولأهله في ملكية تبدأ بباب المغاربة حتى باب السلسلة وهي الأبواب الأساسية للحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك.
وبعد رجوعه استقر ببجاية ومنها اشتهر وبدأت الطرق الصوفية بالجزائر والمغرب العربي
وفي بجاية تزوج وولد له ابنه مدين وظل يمارس الوعظ والإرشاد حتى بلغ الثمانين من عمره وفي طريقه من بجاية الى مراكش نزولا عند طلب السلطان يعقوب المنصور الموحدي مرض الرجل وتوفي بتلمسان فبنى له أهلها هذا المسجد والضريح.
شيد المسجد سنة 1339 م بأمر من السلطان المريني الحسن علي .
يقال ان من هذا المسجد اعلن الأمير عبد القادر قيام الدولة الجزائرية الحديثة.
بمقابل الضريح يمكنك أن تجد المدرسة الخلدونية التي درس بها عبد الرحمان بن خلدون، في هذه القاعة دارت مكائد السلاطين وانتقلت الأقاويل وحسمت مصائر أيضا. ويتسنى لزائر مقام سيدي بومدين، أن يشاهد إعجاب قطع الجص المنقوش والسقف المصنوع من الخشب المنقوش والقبة المزدانة من البلور الملون والتي يمر من تحتها الزائر ليصل إلى صحن الضريح.
بوابة المسجد
ويشكل الضريح جزء من أربعة هياكل، يضمّها مجمع سيدي أبي مدين وهي: الجامع والمدرسة والضريح ودار السلطان. ويوجد باب الضريح مقابل باب المسجد
باب الضريح
إن تسمية المدرسة الخلدونية صفة مزاجية أطلقت على إحدى أقدم مدارس تلمسان بعد مدرسة أولاد الأمام في عهد السلطان ''أبو حمو موسى الزياني'' والتي كانت داخل أسوار المدينة، في حين أن مدرسة العباد توجد على سفح الجبل وهي من مشاريع السلطان أبي الحسن بالمكان، مثل المسجد وقصر السلطان والحمام السلطاني وغيرها وهي مجموعة مرافق من حول الضريح الشهير.
ومن أشهر العلماء الذين درّسوا بمدرسة العباد المرازقة خاصة الحفيد أو الكفيف وهي عائلة تلمسانية شهيرة في التدريس. وقد ورد في كتاب البستان لابن مريم، أن العالم والمصلح ابن زكري قد درس بها أيضا وكانت به منحة من السلطان. وأضحت المدرسة في القرون الأخيرة تحمل اسم المدرسة الخلدونية، لأن عبد الرحمن بن خلدون درس بها مختلف العلوم عند مروره بتلمسان. وتعتبر الخلدونية تحفة معمارية بداية ببابها الخشبي الكبير وساحتها المستطيلة الشكل برواقين، توجد بهما غرف صغيرة كانت مخصّصة لإيواء الطلبة، ثمّ الغرفة الكبيرة المزيّنة بقبة خشبية عملاقة مغطاة بالقرميد في خارج السقف وزيّنَت القاعة بمحراب هو تحفة في الزخرفة والعمارة العربية الإسلامية. وبعد سنوات من الإهمال الذي طال المدرسة في الحقبة الاستعمارية، استعادت دورها بعد الاستقلال في تحفيظ القرآن الكريم وتعليم علوم اللغة العربية،
دار السلطان
هي عبارة عن قصر شيده السلطان المريني أبو الحسن من أجل الاستراحة فيه من هموم إدارة الحكم والسياسة وشؤون الحرب والتفرغ للعبادة. توجد هذه الدار إلى جانب مسجد وضريح العالم الفقيه، شيخ عصره، سيدي أبي مدين شعيب بقرية العباد، ولها باب كبير على يسار باب الجامع.
ويرجع تأسيس دار السلطان إلى نفس العهد الذي أسس فيه المسجد وبعده بثماني سنوات مدرسة العباد ، وهي تعد من المنشآت المعمارية المرينية الرائعة بتلمسان التي لم يبق منها إلا أطلالا توحي بذوق هندسي رفيع؛ إلا أننا لا زلنا نجد جدرانا مخربة تحتفظ بزخارف جصية وأروقة ذات قناطر مقوسة
وفي أسفل الدرج توجد مقبرة على اليمين تضم رفات علماء من أهل تلمسان، ثم يتم الدخول إلى صحن مربع الشكل تحيط به أروقة على شكل حدوة فرس في غاية الإتقان. أما أرضية الصحن وجدرانه فهي مغطاة بالفسيفساء الملونة، تتخللها شواهد من الرخام لقبور بعض أعلام المدينة، وصار هذا الضريح مقصدا للزوار من أهل تلمسان ومن خارجها للعبادة بالجامع والتعلم بالمدرسة .
وهكذا نكون قد ختمنا زيارتنا لهذا المعلم التاريخي الهام
يقول الشاعر مفدي زكرياء
تلمسان مهما أطلنا الطوافا * إليك تلمسان ننهي المطافا