الخواطر المكتوبة ليست فكرة واحدة توضع في كتاب،
ولكنَّها أفكار شتى،
في أمور متباينة، قد يبدو كاتبها مُتناقِضًا وما هو بمُتناقِض،
أو مشتَّتًا وما هو بمشتَّت،
إنما هو وعاء لتنوُّع الأفكار،
كتنوُّع السمك في الماء،
والطَّير في الهواء،
وبهذا سمَّى ابن الجوزي كتابه: ( صيد الخاطر ).
ومَن تأمَّل هذا الكتاب وجَدَه تكلَّم فيه عن كل شيء،
من الذرَّة إلى المجرَّة، وبينما يبدو الرجل - في موضع -
عابدًا ناسكًا؛ إذا أنت تَراه -
في موضع - ولهانَ عاشقًا.
وبينما هو يتكلم عن هموم أمَّةٍ
إذا هو يتكلَّم عن عشْق جارية.
فهذه هي الخواطر،
ما سُمِّيت بذلك إلا لأنَّها تخطر على القلب من غير قصد،
وقد يُغذِّيها العبد بالتفكُّر في نوعِها، فمَن أكثَرَ مِن التفكير في شيء
كانت خواطره غالبًا مِن جنْس هذا الشيء،
فيدخلها القصد من هذا الوجه.
إنَّ الخواطر نوع مِن الإلهام،
والإلهام إنما ينفَع ذوي الأفهام،
وأما الجامِدون فهم مَحصورون تحت أسنَّة الأقلام.