هو أنه ليس المقصود من التغيير ان تتغير شكلا لفترة معينة أو تحاكي من حولك حسب المظاهر التي تعيش فيها!! إنما المقصود أن يكون الصيام تغييرا في الداخل ودفعة للأمام ورفعة للأعلى ليتم التغيير..
ولكي تبدأ التغيير فإنك تحتاج أن تصدق في عزمك على التغيير ثم تهيئ المركز المدبر للتغيير الذي إذا صلح وتغيّر.. صلح الجسد كله..!!
و هو القلب الذي هو مركز التقوى التي هي من أعظم مقاصد الصوم (التقوى هاهنا).... هذا القلب تصب فيه عدة مصبات كلها تجتمع فيه
فإن جمعتَ فيه خيرا وعملا صالحا ... صح وصلح!! وان جمعتَ فيه شرا وفسادا .. خبث وفسد!!
إذا العين التي هي اسرع المصبات في القلب يلزمها ان تستشعر نظر الإله لها فلا تنظر الى ماحرّم الله عليها من المناظر القبيحة والصور الفاتنة والمشاهد الفاسدة لا في خلوة ولا في حضرة.
والأذن لا تسمع شيئا يمرض هذا القلب أو يفسده من سيء القول وقبيح الكلام واللغو الباطل فإن أرادت أن تسمع شيئا.. تلذذت بما يُحيي القلب وينفعه من كلام الكريم المنان أو من جميل الذكر والقول الحسن.
وحفظ اللسان فلا ينطق زورا ولا كذبا ولا غيبة ولا نميمة ولا سبّا ولا شتما بل يشغله بالذكر والتسبيح والاستغفار وطيب الكلام. وإن سابّه احد أو شاتمه فليقل إني صائم.
والقدم لا تسير إلى مجلس تؤكل فيه لحوم الناس أو لا يذكر فيه اسم الله فإنه حسرة وندامة. بل تتبّع مجالس السكينة التي تغشاها الرحمة وتحفها الملائكة وما أكثرها في هذا الشهرالكريم.
واليد لا تبطش فيما حرم الله ولا تكسب ما حرم الله لتكون مستجابة الدعوة.. ولتكون اليد العليا التي هي أحب الى الله ببذل الصدقات الخفيات حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ولو بشيء قليل فإن الله إذا تقبّله صار عظيما عنده كالجبل.
فإذا حفظت هذه المداخل والمصبات إلى القلب من دواعي الفساد فإن القلب يصح ويصلح ويكون جاهزا لملئه بما يحييه ويقويه حتى يكون أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة مادامت السموات والارض.
وهذه نسميها تفريغ القلب من الدرن والامراض المفسدة له وحمايته من كل ما يسبب فساده وعطبه ثم بعد ذلك نملأه بما يحييه ويقويه.
ومن أعظم أسباب حياة القلب.. استشعار التوحيد لله جل وعلا فتستشعر وحدانيته وعظمته وقدرته ورحمته وعلمه وكبرياءه وجبروته وربوبيته وأن الخلق كلهم عبيد له وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه وتدبيره فلا تخشى أحدا سواه ولا تخاف إلا منه ولا تستعين ولا تستعيذ إلا به ولا تطلب حاجتك إلا منه وأنه بيده الأمر كله والخير كله وإليه يرجع الأمر كله وأن قلوب العباد بين اصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء ويكون انصراف القلب كله لله وحده لاشريك له
وبهذا يطمئن القلب ويقوى ويسعد ويحيا. ومن أسباب حياة القلب أيضا ..
* التأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياته مع اصحابه وأزواجه وما لاقاه من الأذى والجهاد في سبيل تبليغ هذه الرسالة العظيمة للعالمين والاقتداء به والاتباع له في كل شئون حياتك حبا وتعظيما واتباعا لسنته فبها يسعد القلب ويرق ويزيد الايمان ويقوى.
* ذكر الله جل وعلا فمثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله مثل الحي والميت ومن أعظم الذكر وأنفعه للقلب كلام الله الذي أنزل في هذا الشهر الكريم فاقرأه قراءة تدبر وتفكر لا قراءة نثر لا تفقه فيها مما قرأت شيئا!! حرّك بآياته قلبك وأسل بموعظته دمعتك ولا يكن همك آخر السورة وتخلق بأخلاقه وأتمر بأوامره وانته بنواهيه تربح وتسعد!!
* أن تحس بالخضوع والذل لله جل وعلا في ركوعك وسجودك وتشكو إليه بثك وحزنك وحاجتك إلى الاستقامة على طريق الهدى والحق
فلا تدع موطنا من مواطن الدعاء التي تظنها محل اجابة إلا وسألت الله فيها حاجتك فعند الافطار وفي السحر وفي السجود و أدبار الصلوات وبين الاذان والاقامة وتذكّر ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) فإنها جاءت بين آيات الصيام فتأمل ذلك.
* بر الوالدين فإن لهما دعوة لاترد فاغتنم دعوتهما لك بالصلاح والهداية في هذا الشهر الكريم وفي كل حين وبرهما من اسباب توفيقك لاستجابة دعوتك فلعلك تذكر قصة أويس القرني الذي كان بارا بأمه فإنه كان مستجاب الدعوة وكان عمر رضي الله عنه- ومن عمر؟؟- يطلب منه ان يستغفر له.
* تذكر هادم اللذّات ومفرق الجماعات..فبذكره يُقطع التعلق بالدنيا ويلقي اليقين في القلب للعمل للآخرة فيتذكر أن ما يعمله اليوم سيلاقيه غدا.. و أن عمله اليوم هنا هو زاده هناك وأن الحياة الأخرى هي الحياة الحقيقية التي يسعد بها أويشقى.. ولها يعمل العاملون ويتنافس المتنافسون.
وبذلك تكون ان شاء الله قد أحييت قلبك وقويته ودفعت عنه مرض الشهوات باستشعارك لهذه الأمور ويبقى المرض الثاني الذي يفتك بالقلب وهو مرض الشبهات وهذا يندفع بالعلم الصحيح الموروث عن سيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يورث دينارا ولادرهما وإنما ورّث العلم , فتعلّم من العلم ماتدفع به الشبهات وقد صار طلب العلم والسؤال عمّا أشكل من أمور الدين من أسهل الأمور.. فاختر الوسيلة المناسبة لك التي توصلك إلى مجالس العلم والعلماء وما أسهلها ، فلم يبق لنا حُجّة في أن نتكاسل أو نسوّف في التغيير واستغلال هذا الشهر لجعله نقطة تحول وتغير حقيقي في حياتنا.. والموفق من وفقه الله لذلك وبذلك يكون قد اكتمل التغيير ظاهرا وباطنا وقد تحتاج الى صحبة صالحة تعينك على المسير حتى تبلغ المنزل وتربح التجارة ... فإن لم تجد فلعل إيمانك ويقينك يكفيك عنهم.. ويؤمن لك الطريق حتى تبلغ المنازل.. وتفوز برضى ربك وبجنات النعيم .. فنعم دار المتقين.