كن على يقين أن لا وصول إلى منازل الأبرار، والتنعم في الجنة دار الأطهار إلا بمجاهدة النفس وقسرها على الحق قسراً وذلك أن بين العامل وبين الوصول إليها مركب المكاره، جاء في الحديث: «حفت الجنة بالمكاره...» [رواه مسلم].
لقد وعد الله أهل المجاهدة بالهداية إلى سبيل الخير، والإعانة على مراضيه، فقال سبحانه – وهو أصدق القائلين، وأعظم الموفين :- }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{ [العنكبوت:69].
واعلم أن النفس حصان شرود، تحب الراحة، وتؤثر الدعة، فلابد من مجاهدتها وإلا أضرت بصاحبها، وارجع بذاكرتك إلى الوراء إلى أناس خرجوا من الدنيا وهم على حال التفريط!
ألم يكونوا يعلموا بفضل الطاعة، وعلوا درجة العابدين؟ بلى وربي. ولكنهم لم يجاهدوا أنفسهم على طاعة الرحمن، وإلزامها سلوك سبيل الرشاد.
أما من فقهوا حقيقة الدنيا والآخرة فتأمل في حالهم، وانظر كيف كان جهادهم لأنفسهم وتربيتهم لها.
كان زياد بن أبي زياد - مولى ابن عياش - يخاصم نفسه في المسجد يقول: أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان؟ ثم يقسر نفسه على الجلوس في المسجد للعبادة:
يا خاطب الحور الحسان وطالباً
لوصالهن بجنة الحيوانِ
أسرع وحث السير جهدك إنما
مسراك هذا ساعة لزمان
هي جنة طابت وطاب نعيمها
فنعيمها باقٍ وليس بفانِ