لماذا الدعاء ؟!
لا يوجد مؤمن إلا ويعلم أن النافع الضار هو الله سبحانه وأنه تعالى يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ويرزق من يشاء بغير حساب وأن خزائن كل شيء بيده ويجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف كرب المكروب إذا سأله .
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟)) [ رواه البخاري ومسلم ]
فيا له من فضل عظيم وثواب جزيل من رب رحيم ، فهل يليق بعد هذا أن يسأل السائلون سواه ؟ وأن يطلب العبادُ حاجاتهم من غيره ؟ أيسألون عبيداً مثلهم ، ويتركون خالقهم ؟! أيلجأون إلى ضعفاء عاجزين ، ويتحولون عن القوي القاهر القادر ؟! هذا لا يليق بمن تشرف بالعبودية لله تعالى ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (( من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته ، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل )) [ رواه أبو داود والترمذي ] .
فضل الدعاء
إن الدعاء من أجلِّ العبادات بل هو العبادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأن فيه من ذلِّ السؤال وذلِّ الحاجة والافتقار لله تعالى والتضرع له والانكسار بين يديه ، ما يظهر حقيقة العبودية لله تعال ولذلك كان أكرم شيء على الله تعالى كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (( ليس شيء أكرم على الله من الدعاء )) [ رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه] .
وإذا دعا العبد ربه فربه أقربُ إليه من نفسه { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[ البقرة : 186] كما روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن للصائم عند فطره دعوةً ما ترد )) [رواه ابن ماجه] فما أعظمه من فضل وأجزله من عطاء في ليالٍ معدودات .
الله تعالى أغنى وأكرم
مهما سأل العبد فالله يعطيه أكثر عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . قالوا : إذاً نكثر ، قال : الله أكثر )) [ رواه أحمد ].
أحسن الظن بالله تعالى
الله تعالى يعطي عبده على قدر ظنه به فإن ظن أن ربه غني كريم جواد وأيقن بأنه تعالى لا يخيب من دعاه ورجاه مع التزامه بآداب الدعاء أعطاء الله تعالى كل ما سأل وزيادة ومن ظن بالله غير ذلك فبئس ما ظن يقول الله تعالى في الحديث القدسي : (( أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني )) [ رواه البخاري ومسلم ] .
أدعو الله في الرخاء يعرفك في الشدة
إذا أكثر العبدُ الدعاء في الرخاء فإنه مع ما يحصل له من الخير العاجل والآجل يكون أحرى بالإجابة إذا دعا في حال شدته من عبد لا يعرف الدعاء إلا في الشدائد . روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء )) [ رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه ] .
العبرة بالصلاح لا بالقوة
قد يوجد من لا يؤبه به لفقره وضعفه وذلته لكنه عزيز على الله تعالى لا يرد له سؤالاً ولا يخيب له دعوة كالمذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم (( رب أشعث مدفوع ٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره )) [ رواه مسلم ] .
لا تعجل
إن من الخطأ أن يترك المرء الدعاء لأنه يرى أنه لم يستجب له ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول : قد دعوت فلم يستجب لي )) [ رواه البخاري ومسلم ] .
و نحن في أيام الدعاء
ونحن في أيام الدعاء وإن كان الدعاء في كل وقت لكنه في هذه الأيام آكد لشرف الزمان احرص على اغتنام هذه العشر وأر ِ الله تعالى من نفسك خيراً فلربما جاهد العبدُ نفسه في هذه الأيام القلائل فقبل الله منه وكتب له سعادة لا يشقى بعدها أبداً وهي تمرُّ على المجتهدين واللاهين سواء بسواء لكن أعمالهم تختلف كما أن المدوّن في صحائفهم يختلف فلا يغرنك الشيطان فتضيع هذه الأيام كما ضاع مثيلاتها من قبل .
هذا زمن الربح وفي تلك الليالي تقضى الحوائج ؛ فعلق حوائجك بالله العظيم ، فالدعاء من أجل العبادات وأشرفها والله لا يخيب من دعاه قال سبحانه : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60] .